أكد ترأس النائب القضائي في ابرشية بيروت الأب القاضي اندره فرح، في عظته خلال ترؤسه قداس اثنين الباعوث في كنيسة القديس يوحنا الذهبي الفم مطرانية بيروت، "اننا ندخل اليوم الأسبوع الجديد الذي يكتمل بالأحد الجديد، أحد القديس توما، وهذا الأسبوع الجديد يوازي الأسبوع العظيم المقدس الذي عشناه برفقة السيح المسيح، ورغبنا في أن نتحد به في سر محبته العجيب حين جابه، من أجل كرامة الإنسان، الظلم والحقد والآلام المبرحة، بالحق والجرأة عليه، وبالصبر، فاحتل بذلك التاريخ البشري أرقى درجاته، إذ ارتفع فوق قمم المادة والأرض، وتلقى من السيد المسيح ضوءا جديدا على معنى حياتنا الأرضية وجهادها ومتاعبها التي تنتهي بالموت"، لافتاً الى أنه "في الأسبوع الجديد، يعلن استتباب السلاح والفرح في قلب الإنسان المؤمن الذي استنار بنور القيامة، فبالقيامة حقق السيد المسيح كل ملء تشابه الإنسان بالله لأن الموت لم يقهره، ولأنه بنفسه وجسده، دخل في الحياة الخالدة، لقد غمنرنا بنوره، نور المعرفة والسلام والفرح على مدى حياتنا".
وتابع بالقول أنه "بهذا التشابه الكامل مع الله، يكون السيد المسيح قد أدخل في تكويننا المسيحي، الذي حصلنا عليه بالمعمودية، شئنا من جوهر الله، واكتسبنا دالة لدى الله، وعصمة من الخطيئة ننالها بسكنى الروح القدس فينا، كما يسكن في الثالوث، وهكذا أصبح كياننا كيانا فريدا عجيبا، يمكننا، متى اكتمل بالموت والقيامة مع المسيح، أن نصرخ بالأب، أبا، أيها الآب، المجد لك"، منوهاً الى "اننا لقد تصورنا الله دائما كائنا بعيدا عنا، منعزلا ومتوحدا، وإذ به يقترب منا بميلاد كلمته على الأرض، ويقبل أن يسلم الى ايدينا، وأن يقتص منه بالآلام، وأن يبلغ الى اقصى الجحيم، حيث كامل سيطرة الموت. وهناك، في جحيم متاعبنا وموتنا، أدركنا واجتذبنا اليه، وجعلنا نحياه من حياته، وهكذا دل لنا أن حياتنا اليومية تكتسب كل المعنى، إن نحن عشناها برفقته، فيما لا معنى لها، إن لم نستنر بنور حبه".
وتساءل "كيف يمكننا أن ندرك الرب ونبلغ الى معرفته ومعرفة قدرة قيامته"، مشيراً الى أن "هذا سر لا نبلغه إلا بالتأمل والصلاة، لأن حدث القيامة لا يمكن استرجاعه، لا بالكلام ولا بالألوان، لكون عودة المسيح الى يمين الآب قد جرت خارج الزمن والمكان، في عالم هو عالم ما بعد الموت. وقد عبرت أيقونة حاملات الطيب عن ذلك بتصوير قبر مفتوح، وملاك صامت جالس فوق البحر، وفتيات جالبات الطيب واقفات حائرات، ينظرن الى القبر الفارغ وكأنهم يقلن في ذواتهن: مانراه هو فجر جديد، لقد تسابقن مع الصبح ليطيبن يسوع، فسبقن الصبح، وإذا بالقبر مفتوح، والسيد غائب عنه، فأصابتهن الدهشة والذهول. حينئذ بشرهن الملاك بحدث القيامة، كما بشر قبلا العذراء مريم بتجسد ابن الله. لقد بشرهن ان الإنسان، كل الإنسان، قد قام، أي قد ولد من جديد، الى الأبد، بفضل المسيح الحي والقائم من بين الأموات".
كما ذر فرح أنه "بعد القيامة، لم يعد المسيح محدودا بشروط الحياة الجسدية، ليس يسوع محصورا في قبر أو في قوالب بشرية، إن نحن سعينا اليه، فلن نجده في دهاليز نفسيتنا التعبة، ولا في ميادين مخيلتنا الجامحة، ولا في أفكارنا المحدودة، ولا في عواطفنا الغريزية، لقد قام، ليس هو فيها، هو يرغب في البلوغ الينا، ليكون فينا ونحن فيه، ومتى سكن يسوع، أصبح قلبا قادرا على أن يحتوي الكون بعرضه وطوله وعلوه وعمقه. عمق عالمنا الشخصي، قد أشارت اليه أيقونة انحدار المسيح الى الجحيم"، موضحاً أن "هذا العمق، قد بلغه يسوع سعيا وراءنا نحن الخروف الضال. كل سر الصليب كامن في هذا النزول الى أعماق خطيئة العالم، التي تبناها بجسده، انه ينحدر اليها، لا ليحكم عليها، ولا ليديننا، بل ليحنو على ضعفنا، وليمد لنا يده لينقذنا، فلا يبقى لنا إلا ان نمد يدنا اليه، ويأخذنا الى ديار الرب، الى أسمى قيم الحياة، هناك نجده حقيقة، وهنالك يسكب علينا خيرات سلامه وفرحه روحه القدوس".
وتطرق الى الإنتخابات النيابية، باقول أنه "ها نحن اليوم في لبنان على عتبة استحقاق الإنتخابات النيابية، ونسمع كثيرا في وسائل الإعلام وعبر مواقع التواصل الإجتماعي التصاريح الرنانة والبرامج الإنتخابية الفضفاضة والوعود والمشاريع المختلفة"، متسائلاً "كم من المرشحين لديهم برنامج انتخابي جدي".
وتابع بالقول "فليحترموا عقول الناس ولا يعطوا عهودا ووعودا، وهم غير قادرين على تحقيقها، لقد أصبح المرشحون يتنافسون في استمالات الناس وإقناعهم بالتصويت لهم بشتى الوسائل، هذا بغض النظر عن الموضوع المادي وشراء الأصوات، ويقتنصون بعضهم من بعض لكسب ما يعرف بالصوت التفضيلي، ونحن نقول للناخب اللبناني أن يغلب المصلحة العامة على المصالح الشخصية، بغض النظر عن الإنتماء الطائفي أو المذهبي أو الحزبي أو المناطقي، إنطلاقا من مفهوم مدني بالتساوي في الحقوق والواجبات تحت لواء الوطن لجميع أبنائه، وان يرفض قيام زمر صغيرة حاكمة تغتصب السلطة من الدولة لحساب مصالحها الخاصة، ومآربها الشخصية والأيديولوجية".
وختم فرح بالقول أنه "لم يحكم علينا في لبنان بقضاء الحياة في ما يشبه الجحيم من التباغض والتجاهل في العيلة والوطن والعمل، وإن كنا بلغنا مثل هذه الحالة، فالسبب لا يكمن في تخلي الله عنا، بل في تخلينا عن الله"، مشدداً على أنه "لا يليق بنا أن نسعى الى سكينة السيد وفرحه، الذي لا يمكن لأحد أن ينتزعه منا، في دهاليز حياتنا البشرية المعقدة، وفي مختلف الميادين الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والوطنية، لأننا لن نجد السيد هناك، إنما سندخل حيث يوجد الحب الأعظم، وحيث نبذل أنفسنا على مذبح محبة الأخوة، كل القضية هي قضية منظار، ومنظار المسيح يريك كيف تقيم الحياة بكل جوانبها لتجعلها مجدا لله، والسبيل الأوحد لذلك هو أن نمارس كل النشاطات البشرية على تنوعها، العلمي أو الإجتماعي أو الوطني، بمحبة حقيقية، يكون السلوك الإنجيلي نبراسا لها. وفي غير ذلك، لن تجد السلام ولا السكينة ولا الفرح".